قصص وحكايات مقهى " ريش " سطور من تاريخ القاهرة السياسي والثقافي والفني والاجتماعي، فمن خلال ذلك المقهى العريق تم تأليف التنظيم...
قصص وحكايات مقهى " ريش " سطور من تاريخ القاهرة السياسي والثقافي والفني والاجتماعي،
فمن خلال ذلك المقهى العريق تم تأليف التنظيمات السرية،
وانطلقت منه الحركات السياسية والثورات ليتحول ملتقى للثوار والمثقفين والأدباء والفنانين والعشاق والمحبين،
فمن خلاله انطلق تنظيم اليد السوداء الشهير بالاغتيالات السياسية،
ومنه أيضًا انطلقت ثورتي سعد زغلول 1919 ويوليو بقيادة جمال عبد الناصر،
كما شاهد المقهى اجتماعات صدام حسين باللاجئين السياسيين العراقيين، والتقي بالمقهى زعماء ورؤساء عرب.
وبين جدرانه ولدت قصص حب كثيرة بين الشعراء والفنانين والأدباء من كلا الجنسين،
فجدرانه شاهد عيان على قصة حب روزاليوسف لمحمد عبد القدوس، والكاتبة عبلة الرويني والشاعر أمل دنقل،
وأحمد فؤاد نجم وصافيناز كاظم وغيرهم كثير من العشاق والمحبين،
كما شهد جدران المقهى ولادة مجلة "الكاتب" على يد عميد الأدب العربي طه حسين رئيس تحريرها.
حكايا المقهى كثيرة ولا تنتهي،
لأنها صفحات من تاريخ القاهرة ومن تاريخ الثورات والفن والحركات السياسية والثقافية والشعرية والأدبية،
وقصص العشق والحب والهوي، التي نرويها من خلال تلك السطور...
عمارة فرنسية
عندما تقترب من المقهى ستواجهك لوحة تعلو الباب الرئيسي تشير إلى سنة التأسيس 1908،
ويقع المقهى ريش أسفل إحدى العمائر الأوروبية الطراز التي شيدت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
وقد أسسه أحد الرعايا الألمان،
وما لبث أن اشتراه أحد الفرنسيين ويدعى " هنري بير " وذلك في العام 1914م وهو الذي أطلق على المقهى اسم " ريش "
ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس، والتي ما زالت قائمة حتى الآن، وتسمى " كافيه ريش "
وهي تتشابه مع مقهى القاهرة في كونها تقع في أحد الميادين العامة وبنفس طراز العمارة والديكور، وتؤدي نفس الوظيفة أيضًا.
وكما هو الحال بالقاهرة توجد في مدن "بنزرت" بتونس، و"قسطنطينية" بالجزائر، و"الدار البيضاء" بالمغرب مقاه تحمل نفس الاسم.
ويقول" مجدي ميخائيل "صاحب المقهى: إن " ريش " بحكم موقعها لم تكن بعيدة عن مركز الحركة الفنية في الأزبكية،
ولكن صاحبها الفرنسي اكتفى بدورها كمقهى فقط، وفي بداية شهر مايو العام 1916 بعد وصول الاستدعاء للمسيو " ريزنيه "
بدأت المفاوضات بينه وبين الخواجة " ميشيل نيقولا بوليتس " اليوناني الجنسية ومدير مسرح الحمراء بالأزبكية،
وفي منتصف الشهر نفسه انتقلت ملكية المقهى للخواجة "ميشيل" ورحل الفرنسي ريزنيه إلى باريس،
وكان لا يمكن لرجل صاحب خبرة في إدارة المسرح أن يترك المقهى على حاله بدون ممارسة نشاطه الفني الذي يجيده.
وأول عرض تم الإعلان عنه - ومن الجائز قدمت عروض سابقة لم يعلن عنها - كان من خلال صحيفة البصير
والتي تشير إلى أن " جوقة " عزيز عيد، ستقدم مسرحية"خلي بالك من إميلي "على مسرح كافيه ريش في 8 يونيو 1918
ولم تمر عشرة أيام حتى قدم الجوقة رواية أخرى " ليلة الدخلة " وتم الإعلان عنها في نفس الصحيفة.
ويقول المؤرخ الراحل عبد الرحمن الرافعي:
" إن مقهى ريش " كان من الأماكن العلنية التي دارت داخلها مناقشات " ثوار العام 1919 "
واتخذت فيها القرارات المهمة�� وليس من السهل حصر الأماكن السرية التي انطلقت منها الثورة،
ولكن يمكن أن نذكر في طليعتها الأزهر وبيت الأمة ومحل جروبي القديم ومحل صولت بشارع فؤاد وقهوة ريش بشارع سليمان باشا،
وأدت المقهى ما عليها من خلال الدور العلني،
ورغم ذلك انطلقت منها واحدة من أكبر حركات الجهاز السري لثورة 1919 بقيادة عبد الرحمن فهمي،
وكانت وظيفة الجهاز السري المحافظة على استمرار اشتعال الثورة وتنفيذ رغبات الأمة،
ونفذت محاولة اغتيال يوسف باشا وهبة شعبة الاغتيالات المسماة " اليد السوداء " .
ولم يكن " ميشيل بوليتس " يقوم بدور صاحب المسرح فقط، بل شارك في رعاية الحركة المسرحية الناشئة وقتها ،
فوصفه " صبري أبو المجد " في كتابه عن زكريا أحمد بأنه من محبي الفنون
، ففي القاهرة كانت توجد مسارح الأوبرا والأزبكية والماجستيك ورمسيس ودار التمثيل العربي وكافيه ريش والبوسفور،
وكان يشرف على هذه المسارح وزارة الأشغال وبنك مصر، والمجالس البلدية وبعض محبي الفنون الجميلة
مثل الحاج " مصطفى حقي " وميشيل بوليتس و قدس إخوان وشارل ماندلفوا و عزيز متولي وعبد الله عبد الغفار وفارس ميخائيل .
ميلاد مفكرين وعظماء
ويذكر أن مقهى ريش أيضًا شهد ميلاد مجلة " الكاتب " والتي ترأسها د. طه حسين ،
وفي شهادة للشاعر السوداني محمد الفيتوري يقول: إن ريش كان يمثل عاصمة ثقافية التقيت فيه عند قدومي للقاهرة بكامل الشناوي
وعبد الرحمن الخميسي ونجيب محفوظ ولطفي الخولي،
وكان ريش يمثل إطارًا يجمع كل التيارات دون تمييز، ولهذا اتفق الجميع على عشقهم لأجواء المكان .
وما يحكى عن المقهى أيضًا أنه جلس عليه جمال عبد الناصر يعد لثورة يوليو،
وأيضًا كانت جزءًا من حياة شاب عراقي جاء يدرس في القاهرة هو " صدام حسين "
وكان يرأس المكان الذي يتجمع فيه اللاجئون السياسيون مثل الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي
وقحطان الشعبي وعبد الفتاح إسماعيل رئيس جمهورية اليمن الشرقية الأسبق .
مقهى ثقافي
ويتميز المقهى بأنه الوحيد في مصر الذي يمكن أن يوصف بالمقهى الثقافي فرواده من المثقفين الذين يقضون أوقاتا طويلة داخله،
سواء في القراءة أو إقامة الندوات والصالونات الثقافية،
لذلك فإن المقهى لا يقدم الشيشة " النارجيلة " للزبائن ولا يسمح بالألعاب التي تقدم في بقية المقاهي كالكوتشينة والطاولة،
وهذا يرجع إلى طبيعة الزبائن، فهم عادة من المفكرين وأبناء الجالية الأجنبية بمصر وبخاصة المراسلين الأجانب والسائحين.
ترميمات بـ"2مليون جنيه"
ويشير ميخائيل إلى أن زلزال 1992 كان له أثره الواضح على عمارة المقهى،
ما أدى إلى إغلاقه منذ ذلك الوقت إلى أن تم افتتاحه العام 2000 ، بعدما أجريت له بعض الترميمات والتي تكلفت نحو مليوني جنيه،
وقد أشرف على ترميمها مصطفى عبد القادر أحد أشهر المرممين الذي أسند إليه ترميم تمثال أبو الهول،
وتمت أعمال الترميم دون إجراء أي أعمال تجديد أو تغيير في عمارة المقهى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق