صديقي العزيز.. جرّب أن تتجوّل معي قليلاً على موقع فيسبوك أو تويتر، نستعرض معًا الآراء والتعليقات على بعض الأحداث والموقف.. ...
![هل تعرف معنى مقولة]()
صديقي العزيز.. جرّب أن تتجوّل معي قليلاً على موقع فيسبوك أو تويتر، نستعرض معًا الآراء والتعليقات على بعض الأحداث والموقف..
وأجب سؤالي بأمانة:
ماذا تفعل لو وجدت صورة أو تعليقًا أو أي شكل من أشكال التفاعل به ما يمسّ عاطفتك الدينية أو يؤذيها؟ سخرية من
اللحية مثلاً أو الحجاب أو النقاب، تعليق بذيء على شأن ديني... إلخ.
مع الأسف الشديد فإن أغلب المتحمّسين للتصدي لتلك الإساءة تمتطيه حماسته بدلاً من أن يمتطيها، فيتّسم رد فعله بـ"غشومية" تسيء لقضيتهم ولا تقويها..
فتتلخص ردودهم في "موتوا بغيظكم" أو الاتهامات في الإيمان والعقيدة..
بل وربما السبّ والشتم بأقذع الألفاظ...
دون أن يضعوا في الحساب فرضية أن المسيء ربما هو واقع فيما نسميه "جرأة الجهل" أي أنه أساء بغير علم،
فهذا لا يحتاج من يشتمه ويطعن في دينه بل يحتاج من يعرفه خطأه..
تمامًا كالأعرابي الذي قدم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة ودخل المسجد وبال في أحد أركانه،
فلما قام إليه بعض الصحابة أجلسهم الرسول، وقام للرجل بعد انتهائه من قضاء حاجته وعرّفه خطأه برفق ولين.
وأما من يسيئون عن استهتار أو اجتراء أو حتى تعمد فما السبيل معهم؟
الله تعالى يقدّم لنا الإجابة في قوله تعالى:
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
صدق الله العظيم [النحل: 125].
إذن فالوسيلة واضحة "الحكمة" و"الموعظة الحسنة" و"الجدال بالتي هي أحسن"..
ولينتبه القارئ العزيز إلى أن تلك الآية قيلت في جدال الكافر بالدين،
فما بالنا بمن هو أخونا في عقيدتنا ألا نكون أكثر لينًا معه؟
بل إن الإمام القرطبي -رحمه الله- أكّد في تفسيره تلك الآية أن الشدة إن كانت خيارًا متاحًا مع الكافر المعادي للدين -كردّ فعل
لسلوكه العدواني وليست كعدوان أو فرض للدين بالقوة- فإن تنفيذ الأمر الإلهي في الآية الكريمة مأمور به لمن وصفهم
القرطبي بـ"العصاة من الموحدين".
وبمراجعة تفسيرات القرطبي والطبري وابن كثير -رحمهم الله- فإننا نجد أن "الحكمة" هنا هي ما أنزل الله تعالى على محمد
-صلى الله عليه وسلم- من القرآن والسُنّة، و"الموعظة الحسنة" هي ما في الكتاب والحديث من مواعظ وزواجر وتذكرة
لمن يعتبر، أما "جادلهم بالتي هي أحسن" فهو أمر صريح بمجادلة المجادل منهم بالرفق واللين..
بل وألاحظ أنا في هذه الآية أن الله لم يقل "وجادلهم بالحُسنى" بل قال "بالتي هي أحسن"..
وأنا لست مفسرًا ولا فقيهًا، ولكني أسمح لنفسي أن أدرك الفارق اللغوي بين "الحُسنى" و"أحسن" أن الأولى هي أمر أن نجادل بأحسن مما نُجادَل به.. أما "التي هي أحسن" فهو أمر واضح أن نقدّم أحسن ما عندنا من رفق ولين وصبر في المجادلة..
بل إننا نرى في سورة طه أمر الله تعالى لموسى وهارون -عليهما وعلى كل الأنبياء الصلاة والسلام- بأن
{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}(طه:44)
هذا أمر الله تعالى لنبييه في شأن فرعون الذي لم يكن عاصيًا فحسب، بل كان كافرًا بل وتجاوز الكفر لمرحلة قوله
"أنا ربكم الأعلى"..
حتى هذا الفرعون بما بلغه من الكفر والوقاحة مع رب العزة أمر الله موسى وهارون -عليهما السلام- بالقول اللين له..
فما بالنا بالمؤمن العاصي؟
وعودة للأمر الإلهي بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن..
فإن الله تعالى يتبعها بقوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}..
وهي رسالة واضحة لمن يعظ غيره أن يدرك أن الهداية والضلالة هما بيد الله..
وما عليك إلا "فعل" الوعظ والتذكرة أما "النتيجة" سواء بالهداية أو الضلالة فهي بيد الله وحده..
وهي رسالة واضحة لمن قد يريدون أن يحققوا النتيجة (الهداية) دون أن يحسنوا الوسيلة، فيفسدوا الاثنين!
قُضِيَ الأمر إذن.. وأي ردّ فعل آخر مخالف لما قدم لنا الله من سبيل للتعامل هو مما يضيع الوقت والجهد،
بل ولعله مما يفسد النتيجة وينفّر شخصًا كان من الممكن أن يتفاعل بشكل أفضل لو وجد أسلوبًا أكثر حكمة في تقويمه..
ولكنه -مع الأسف- الحماس الأعمى حين يفسد من حيث أراد الإصلاح..
مصادر المعلومات:
1- تفسير القرطبي.
2- تفسير ابن كثير.
3- تفسير الطبري.
4- البداية والنهاية لابن كثير.
5- محمد والذين معه: عبد الحميد جودة السحار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق